تمثل اتفاقية الجريمة المنظمة وبروتوكولاتها، إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الصكوك القانونية الدولية الرئيسية في مكافحة الجريمة المنظمة والفساد المرتبط بها. ودخلت اتفاقية مكافحة الفساد حيز التنفيذ في ديسمبر 2005. وبينما تتطلب اتفاقية الجريمة المنظمة من الدول الأطراف تجريم الفساد في إطار الجريمة المنظمة، تحدد اتفاقية مكافحة الفساد الأشكال المختلفة للفساد، وتوفر إطارًا قانونيا لتجريم ومكافحة الفساد. ومن ثم تمثل اتفاقية مكافحة الفساد "الصك العالمي الوحيد الملزم قانوناً لمكافحة الفساد."
وتواجه اتفاقية مكافحة الفساد ظاهرة الفساد من خلال مجموعة شاملة من الأحكام في أربعة فصول: المنع والتجريم والتعاون الدولي واسترداد الموجودات (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2012). فالفساد قضية معقدة للغاية ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال تنظيم متكامل. وتترابط الأركان الأربعة لاتفاقية مكافحة الفساد. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن ينجح التنظيم القائم بالكامل على تعزيز استجابات إنفاذ القانون دون وجود نظام ملائم للوقاية، أو إقرار لمسؤولية الدولة للتعامل بشكل صحيح مع استرداد الأصول غير المكتسبة. وبالمثل، فغياب نظام مناسب للتعاون الدولي، يجعل من الصعب ملاحقة ومقاضاة واسترداد للأصول الإجرامية، بالنظر إلى الطبيعة عبر الوطنية للجرائم الاقتصادية بوجه عام، والفساد بوجه خاص.
ولذا تتطلب الاتفاقية من الدول الأطراف اعتماد سياسات فعالة لمنع الفساد. وقد أُدرجت التدابير الوقائية بهدف توفير تدابير تشمل كلا من القطاعين العام والخاص. وتتباين هذه التدابير لتشمل الترتيبات المؤسسية، مثل إنشاء هيئة محددة لمكافحة الفساد، صياغة مدونات قواعد السلوك والسياسات التي تعزز الحكم الرشيد، وسيادة القانون، والشفافية والمساءلة. كما تؤكد الاتفاقية على أهمية إشراك المجتمع ككل في مكافحة الفساد وتدعو الدول الأطراف إلى تشجيع مشاركة المنظمات غير الحكومية وتعزيز المبادرات المجتمعية في هذا القطاع.
وعلى غرار اتفاقية الجريمة المنظمة، تتطلب اتفاقية مكافحة الفساد من الدول الأطراف تجريم طائفة واسعة من أفعال الفساد. وتشمل هذه الجرائم، على وجه الخصوص، الرشوة والاختلاس والإثراء غير المشروع. وتشمل علاوة على ذلك، تجريم الأفعال المرتبطة بدعم الفساد (عرقلة العدالة، واستغلال النفوذ، وإخفاء أو غسل عائدات الفساد). وتتعامل اتفاقية مكافحة الفساد بشكل رئيسي مع الفساد في القطاع الخاص وتنص على حماية المبلِّغين (المخبرين) والشهود والضحايا والخبراء. ويحتوي قسم التعاون الدولي على أحكام مشابهة لاتفاقية الجريمة المنظمة، بما في ذلك المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين والمصادرة والضبط.
ويتمثل الغرض الرئيس من الصكين الدوليين في تمكين الدول من تعزيز آليات التعاون الدولي، وبالتالي تزويدها بالأدوات القانونية والتنفيذية لتعزيز قدرتها على التصدي للفساد والجريمة المنظمة على المستوى الدولي. ولكن على النقيض من اتفاقية الجريمة المنظمة وغيرها من المعاهدات السابقة، تنص اتفاقية مكافحة الفساد على المساعدة القانونية المتبادلة في غياب ازدواجية التجريم، عندما لا تنطوي هذه المساعدة على تدابير قسرية. كما تؤكد اتفاقية مكافحة الفساد على أن كل جانب من جوانب جهود مكافحة الفساد يستدعي التعاون الدولي وتولي أهمية خاصة بمسالة استجلاء جميع السبل الممكنة لتعزيز التعاون (المادة 43). ويعتبر الفصل الخاص بالتعاون الدولي فصلًا أساسياً في اتفاقية مكافحة الفساد، على غرار اتفاقية الجريمة المنظمة، وتعد مواده الأكثر تعقيدًا بين المواد الأخرى في ذات الاتفاقية.
وأخيرًا، فإن من أهم المبادئ التي استحدثتها الاتفاقية" (المادة 51) هو ذلك المبدأ المتعلق باسترداد الموجودات وإعادتها. ويهدف هذا الفصل إلى إنشاء إطار شامل يمكّن الدول من معالجة الهدف الرئيسي للجريمة الاقتصادية (وكذلك الجريمة المنظمة) ألا وهو: الحصول على منافع مالية. ويحدد هذا الجزء من الاتفاقية كيفية تقديم التعاون والمساعدة، وكيفية إعادة عائدات الفساد إلى الدولة المطالبة بها، وكيفية مراعاة مصالح الضحايا الآخرين أو الملاك الشرعيين. وإن التنفيذ الصحيح لهذا الفصل يهيئ الظروف لاستعادة الأصول غير الشرعية من المجرمين والجماعات الإجرامية.
"إن الفساد هو وباء خبيث له ذات آثار مدمرة على المجتمعات. حيث يؤدي إلى تقويض الديمقراطية وسيادة القانون، وانتهاك حقوق الإنسان، وتشويه الأسواق، وينال من جودة الحياة ويفضي إلى ازدهار الجريمة المنظمة والإرهاب والتهديدات الأخرى للأمن البشري ". (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2005). - الأمين العام كوفي عنان |
المعاهدات الرئيسية الثلاث لمكافحة المخدرات هي:
اتفاقية المؤثرات العقلية، 1971
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، 1988
وتتكامل هذه الاتفاقيات الثلاث وتدعم بعضها بعضًا. واشتملت الاتفاقية الوحيدة للمخدرات (1961، وما لحقها من تعديلات عام 1972) على جميع المعاهدات السابقة المتعددة الأطراف. حيث وجدت مجموعة من المعاهدات السابقة على إبرام الاتفاقية الوحيدة، ابتداء من عام 1912 حيث أبرمت اتفاقية الأفيون الدولية. وقد استهدفت الدول الأطراف في الاتفاقية الوحيدة تبسيط إجراءات الرقابة على المخدرات من خلال إنشاء الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، لتحل بذلك محل الهيئات الإشرافية الموجودة من قبل. وقد تمثل الهدف الرئيس من الاتفاقية في ضمان توفير الإمدادات الكافية من المخدرات للأغراض الطبية والعلمية، ومنع تسربها إلى السوق غير المشروعة. حيث حددت الاتفاقية الوحيدة نطاق استخدام وحيازة المواد الأفيونية والحشيش والكوكايين للأغراض الطبية والعلمية. كما أنشأت الاتفاقية نظام تصنيفي يقسم الأدوية إلى أربعة جداول، يحكم كل منها مجموعة من القواعد المتباينة. وتمارس الاتفاقية الواحدة الرقابة الفعلية على أكثر من 130 مخدرا (القائمة الصفراء المحدثة للعقاقير المخدرة الخاضعة للمراقبة الدولية متاحة على الموقع الإلكتروني للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات - INCB).
أما اتفاقية المؤثرات العقلية عام (1971) فقد وسعت النظام الدولي لمكافحة المخدرات ليشمل المهلوسات والمنشطات والمهدئات، مثل LSD والأمفيتامينات والباربيتورات وقد تمت صياغتها بعد زيادة تعاطي المخدرات في فترة الستينيات. ووسعت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية (1988) نظام المراقبة ليشمل السلائف التي كثيرا ما تستخدم في صنع المخدرات غير المشروعة (سلائف المخدرات)، وسلطت الضوء على التوسع الملحوظ في التجارة الدولية للمخدرات وسبل تعزيز التعاون الدولي في المسائل الجنائية، بما في ذلك تسليم المجرمين وتبادل المساعدات القانونية. وللمزيد حول إنتاج المخدرات والاتجار بها يرجى الاطلاع على الوحدة التعليمية 3.
كما تلعب تجارة المخدرات دورًا رئيسيًا في الأنشطة الإجرامية المنظمة، لذا فمن الضروري تحقيق الانسجام بين اتفاقيات المخدرات واتفاقية الجريمة المنظمة. فعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات تسبق اتفاقية الجريمة المنظمة بعدة عقود، فقد تمت صياغتها لتحقيق أغراض مماثلة، مثل مكافحة الأنشطة غير المشروعة المكونة للجريمة المنظمة، وتتضمن أحكامًا مماثلة لتحقيق ذات الهدف (على سبيل المثال، أحكام مكافحة غسل الأموال). وبالإضافة إلى ذلك، تؤكد معاهدات مراقبة المخدرات، على غرار اتفاقية الجريمة المنظمة، أهمية التعاون الدولي في هذه الخصوص.